الخلفاء الراشدين المهديين الإثني عشر. 1

ظهور الخوارج. 4

الفرق بين الخوارج و البغاة 5

قضية رمي الدعاة بأنهم خوارج. 6

قضية الإنكار على السلطان من قبل العلماء. 8

في تحريم الخروج على السلاطين المسلمين. 8

قضية الخروج على الحاكم الكافر. 12

الحكم الديمقراطي و الحكم الاستبدادي.. 13

 

الخلفاء الراشدين المهديين الإثني عشر

إن من واجب المسلمين طاعة الخلفاء الراشدين كلهم ما لم يتعارض ذلك مع كتاب الله و سنة رسوله لقوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنو أطيعو الله وأطيعو الرسول و أولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر[. و روى الترمذي: عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ يَوْمًا بَعْدَ صَلاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ: «إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟». قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ وَ إِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ. فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا. وَ إِيَّاكُمْ وَ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّو عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»[1]. و روى أحمد: عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ أنه قال: «أَلا إِنِّي لَسْتُ بِنَبِيٍّ وَ لا يُوحَى إِلَيَّ، وَ لَكِنِّي أَعْمَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ r مَا اسْتَطَعْتُ. فَمَا أَمَرْتُكُمْ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، فَحَقٌّ عَلَيْكُمْ طَاعَتِي فِيمَا أَحْبَبْتُمْ وَ كَرِهْتُمْ».

أما عن شروط الخليفة الراشد، فبالإضافة لشروط الخليفة بشكل عام كالذكورة و الإسلام و البلوغ و غير ذلك فلا بُدَّ من توفٍّر شروطٍ أخرى ليكون راشداً. منها:

1.   أن يكون عادلاً متبعاً لِسُـنّة مُحَمَّدٍ عليه أتمُّ الصَّلاة و التّسليم، و هذا واضح بالبداهة من تعريف الخليفة الرّاشِد.

2.   أن يكون من قريش. و رغم أن هذا الشرط ليس ضرورياً لكل خليفة و لكنه ضروريٌ لأن نعتبر هذا الخليفة راشداً لحديث رسول الله r الذي في صحيح مسلم: عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ». فَسَمِعْتُ كَلامًا مِنَ النَّبِيِّ لَمْ أَفْهَمْهُ. قُلْتُ لِأَبِي: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ». و قد جاء في ذلك الحديث عدة روايات صحيحة منها عند مسلم: «لا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا مَنِيعًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً»، و كذلك «لا يَزَال الْإِسْلام عَزِيزًا...»، و«إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمْ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»[2]، و في زيادةٍ عند أحمد «يُنصَرون على من ناوَأهَم عليه»[3]. و في زيادةٍ صحيحة «ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْج». فهذا كلّه دليلٌ قاطعٌ على أنه ليس في هذا الحديث تعاقب هؤلاء الخلفاء، إنما يكونون حتّى مطلع الساعة[4]. و الهَرْج هو الفِتَنُ الْمُؤْذِنَة بقيام يوم القيامة، كخروج الدَّجَّال و يَأْجُوج و مَأْجُوج.

3.   أن تجمع عليه الأمة كلها لقول رسول الله r «كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ». و هذا لا يعني بالضرورة أن يحكم بلاد المسلمين كلها، إذ لم يحكم علي بن أبي طالب الشام، لكن لم يعترض معاوية و لا أحد من المسلمين على أحقية علي بالخلافة، و إنما أقصر بعضهم عن بيعته لرغبتهم في أن يثأر من قتلة عثمان أولاً كما أسلفنا من قبل بالتفصيل.

4.   أن يعيش جزءاً كبيراً من حياته في المدينة المنورة لقول رسول الله r: «الخِلافَةُ بالمَدينَةِ وَ المُلْكُ بِالشَّام»[5]. أو من الملاحظ أن معاوية لم يَعِش في المدينة فترة طويلة (عاش حوالي أربعة سنين)، و إنما في مكة و الشام. لذلك لا يصنف ضمن الخلفاء الراشدين، و لو أنه صحابي جليل، و خليفة عظيم من أعدل حكام المسلمين. و يؤيد ذلك الحديث الصحيح: «خِلافَة النُّبُوَّة بَعْدِي ثَلاثُونَ سَنَة، ثُمَّ تَكُون مُلْكًا». و قال الإمام النووي: مدة خلافة أبي بكر سنتان و ثلاثة أشهر و عشرة أيام. «و مدَّة خلافة عمر عشر سنين و خمسة أشهر و إحدى و عشرين يوماً. و عثمان اثنتي عشرة سنة إلا ست ليال. و علي خمس سنين، و قيل خمس سنين إلا أشهراً، و الحسن نحو سبعة أشهر».

و قد انعقد إجماع هذه الأمّة على أن الخلفاء الأربعة كلّهم يُعَدون من الخلفاء الراشدين، و من ظنّ غير ذلك فهو أضَلّ من حمار أهله. و لعلّ أكثر من اجتمع له من بيعات هو عثمان بن عفان t، و أقلهم علي بن أبي طالب t، إذ لم يُبايعه إلا القليل من المهاجرين و الأنصار. و مع ذلك فعلى الرغم من إعراض الكثير من الصحابة عن بيعة علي، إلا أن بيعته صحيحة لا شكّ فيها. و قد تقدّم آنفاً ما نقلناه أن أحداً لم ينازعه الخلافة أو يزعم أنه غير جديرٍ بها.

أما الحسن t ففي ثبوت خلافته خلاف مشهور، و يزيد الخلاف أنها لم تزد على ستة أشهر، حيث اختلف بعض المؤرخين في التواريخ و في إن كانت ضمن الثلاثين سنة أم بعدها. و فيها عدة إشكاليات منها:

1.   لم يوصِ علياً له قبل موته، إذ قيل له: «ألا تستخلِف علينا؟». قال: «مَا اِسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ r فَأَسْتَخْلِفُ، وَ لَكِنْ إِنْ يُرِدْ اللَّهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا، فَسَيَجْمَعُهُمْ بَعْدِي عَلَى خَيْرِهِمْ كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ»[6]. و الجواب على هذا أن الوصية ليست بضرورية. فهذا رسول الله r لم يوص لأحد! و كذلك عمر و عثمان.

2.   الحسن كان ينوي مبايعة معاوية حتى قبل أن يبايع بالخلافة. و لذلك اشترط على أهل العراق أن يبايعو من يبايع، فرفضو و أرادو مبايعة الحسين بدلاً منه فرفض الحسين، فاضطر أهل العراق مرغمين على مبايعة الحسن على ذلك الشرط. و لكني لم أجد في هذا ما يطعن في خلافته.

3.   لم تبايع الحسن الغالبية العظمى من المهاجرين و الأنصار، خاصة أن الحجاز كان تحت سيطرة معاوية. و لذلك فإن الإشكال الأساسي في خلافته في إن كانت الأمة قد اجتمعت عليه فعلاً أم لا. و الذي أرجّحه أن الاجتماع قد حصل، لأن معاوية لم ينادي بالخلافة إلا بعد أن استغنى الحسن له عنها.

فالرّاجح عندي إلحاق خلافة الحسن t بالخلافة الرّاشدة لأنه يدخل –في أصح الراويات– بمدّة الثلاثين سنة، و لضعف الإشكاليات على خلافته كما رأينا. و الله أعلم.

أما خلافة معاوية الأول بن أبي سفيان t، فالإجماع أنها صحيحة، لكنها ليست من الخلافة الراشدة على قول الجمهور. إنما هي خلافة مُلك للأسباب التي أوضحناها أعلاه في شرحنا للشرط الرابع.

أما خلافة يزيد بن معاوية، فهي خلافة صحيحة أيضاً. إذ أن معاوية قد شاور كبار الصحابة و سادات القوم و وِلاة الأمصار، و جاءته الوفود بالموافقة على بيعة يزيد، و بايعه الكثير من الصحابة حتى قال الحافظ عبد الغني المقدسي «خلافته صحيحة، بايعه سِتُّون من أصحاب رسول الله r منهم ابن عمر». و لكنها ليست خلافة راشدة بالإجماع، و هذا واضح و لله الحمد.

أما خلافة معاوية الثاني بن يزيد، ففيها نظر لأن معاوية الثاني نفسه لم يكن يريدها و قد خلع نفسه بنفسه، عدا أنه لم يعش بعد موت أبيه إلا بضعة أشهر. فكيف يصير خليفة و هو لا يُقِرُّ على نفسه بالخلافة؟! فالراجح أن خلافته لم تقع أصلاً.

أما خلافة عبد الله بن الزبير t، ففيها كلام كثير. إذ أنّ بعض الصحابة كما أسلفنا يعتبره باغياً على بني أمية. و الحقيقة أن هذا لا يمنع خلافته. فقد سبق و نقلنا أقوال العلماء أن البغي ليس بفسقٍ بالضرورة. أما في حال صحابي جليل كابن الزبير، فلا شك أن الفسق منتفٍ بأي حالٍ لأن الصحابة كلهم عدولٌ كما أثبتنا بالأدلة القاطعة. هذا لكل صحابي في أيّ حالٍ، فكيف إذا كان مُتأوِّلاً مُجتهداً؟! لا شكَّ أن هذا لا يطعن بأيِّ شكلٍ بخلافته –رضي الله عنه–. أضف إلى ذلك أنه لم يَدْعُ إلى الخلافة إلا بعدما استغنى عنها معاوية الثاني، فلم يُنازع عليها أحد.

و لذلك فالذي نراه –بخلاف الجمهور– أن خلافته صحيحة، و خلافة مروان بن الحكم باطلةٌ[7] لأنه لا يجوز أن يُدعى خليفتين في وقتٍ واحد. و لكنها ليست من الخلافة الراشدة لأن الأمّة لم تتفق عليه، إذ أن كثير من الصحابة كعبد الله بن عمر و عبد الله بن العباس بايعو عبد الملك بن مروان بدلاً عن عبد الله بن الزبير، و كذلك كان فعَل أهل الشام. و إعراض الكثير من كبار الصحابة عن بيعته، دفع جمهور المؤرخين لاعتبار خلافته باطلة. إذ لمّا تولّى الخلافة التف عليه جماعة من الخوارج يدافعون عنه، منهم نافع بن الأزرق[8] وعبد الله بن أباض[9] وجماعة من رؤسهم[10]، و بايعه أيضاً الباطنية و على رأسهم المختار، بينما رفض كبار الصحابة مبايعته. و لم تقتصر هذه المعارضة على كبار الصحابة، بل تَعدَّتها إلى كبار التابعين كمحمّد بن علي بن أبي طالب[11]، و سعيد بن المسيّب. فقام عامله على المدينة (عبد الرحمان بن الأشعث) بضرب سعيد بن المسيب ستين سوطاً ليجبره على مبايعة بن الزبير، فامتنع من ذلك. مما أحرج إبن الزبير، فعزل عبد الرحمان.

قال تقي الدين بن تيمية: « الإمامة عندهم –أي أهل السنة– تَثـْبُتُ بموافقة أهل الشـَّوكة عليها. و لا يصير الرجل إماماً حتى يوافقه أهل الشوكة عليها الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة. فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة و السلطان. فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة و السلطان، صار إماماً»[12].

أما عبد الملك بن مروان فقد صحّت خلافته بعد استشهاد إبن الزبير بالإجماع، و في صِحّتها قبل ذلك خلاف، و الجمهور يقول بصحّتها. و كان عبد الملك من أعظم الناس عدالةً، و كان أحسن من إبن الزبير تدبيراً للمُلك. و لكنّ عدله قد عُرِف في الأمصار التي والته، أمّا في العراق فكان واليه هو الحجّاج بن يوسُف الثَّقَفي. فلا سبيل بعد ذلك إلى عدّه من الخلفاء الراشدين.

أما أولاده فلم ينشئ منهم أحد بالمدينة، فلا تكون خلافتهم راشدة و إن كانت صحيحة بالإجماع. أما خلافة عمر بن عبد العزيز، فقد اتّفق العلماء على إلحاقها بالخلافة الراشدة الأولى، و هذا هو الصواب. إذِ اجتمعت شروطها كلّها له. أما عن عدله فحدّث و لا حرج. و حسبه أنه من أشبه الخلفاء بسيرة جدّه عمر. و قد عاش بالمدينة المنورة أكثر عمره لأنه كان والياً لها. و قد اجتمعت الأمة كلها حوله، حتى الشيعة و الخوارج منهم لما شاهدوه من عدله و تسامحه.

أما ما يقال عن إلحاق بعض خلفاء بني العباس بالخلافة الراشدة كمحمد المهدي و موسى الهادي فهذا جائز لكن فيه نظر، و الله أعلم بالصواب.

و كما نرى فإن هذه الشروط لا تنطبق إلا على اثني عشرة رجلاً ظهر منهم ستة (على أقل تقدير) و بقي ستة، آخرهم يسمى بالمهدي، يخرج في آخر الزمان من نسل الحسن، و اسمه محمد بن عبد الله، و يصلي المسيح عيسى بن مريم خلفه في دمشق. و هؤلاء الستة هم:

1.   أبو بكر الصديق (11–13 هـ) (632–634 م).

2.   عمر بن الخطاب (13–23 هـ) (634–644 م).

3.   عثمان بن عفان (23–35 هـ) (644–656 م).

4.   علي بن أبي طالب (35–40 هـ) (656–661 م).

5.   الحسن بن علي (40–41 هـ) (661–662 م).

6.   عمر بن عبد العزيز (99–101 هـ) (717–720 م).

و البعض يفسّر حيث الإثنا عشر خليفة بتفسيرات غريبة ذكرها إبن حجر في فتح الباري، و هِيَ كلّها مُنكَرَة ظاهرة البطلان، فليس من داعِ لذكرها أصلاً.

ظهور الخوارج

تعتبر ظاهرة الخوارج أول ظاهرة تطرف في الإسلام و هؤلاء كانو من أجلاف ربيعة و ذوي العداء التقليدي لمضر التي منها قريش و عامة الصحابة، و هم أشد العرب غلظة و جهلاً و قسوة ]الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفَاقاً، وَ أَجْدَرُ أَلاًّ يَعْلَمُو حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [[13].

و هؤلاء لم يكن لتجمعهم عقيدة و لا مذهب و لا عصبية، و إنما حب القتال و استباحة الدماء و التشدد على النفس و تكفير الناس. فلم يجتمعو تحت راية أو زعيم و إنما كفَّرو المسلمين ثم كفَّرو بعضهم البعض. و قد جاء فيهم الكثير من الأحاديث الشريفة:

روى البخاري عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَسَأَلاهُ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ أَسَمِعْتَ النَّبِيَّ r قَالَ: لا أَدْرِي مَا الْحَرُورِيَّةُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ: يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ –وَ لَمْ يَقُلْ مِنْهَا– قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ يقرؤون الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ أَوْ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ فَيَنْظُرُ الرَّامِي إِلَى سَهْمِهِ إِلَى نَصْلِهِ إِلَى رِصَافِهِ فَيَتَمَارَى فِي الْفُوقَةِ هَلْ عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَيْءٌ.

و روى مسلم أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r وَ هُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «وَ يْلَكَ! وَ مَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتُ وَ خَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ؟!». فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: «دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ وَ صِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ. يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ. يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ وَ هُوَ الْقِدْحُ ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ سَبَقَ الْفَرْثَ وَ الدَّمَ. آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَتَدَرْدَرُ. يَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ». قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ r. وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ t قَاتَلَهُمْ وَ أَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَوُجِدَ فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ رَسُولِ اللَّهِ r الَّذِي نَعَتَ.

و عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ r ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ سِيمَاهُمُ التَّحَالُقُ قَالَ: «هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ أَوْ مِنْ أَشَرِّ الْخَلْقِ يَقْتُلُهُمْ أَدْنَى الطَّائِفَتَيْنِ إِلَى الْحَقِّ» (لاحظ أن كلا الطائفتين على حق). قَالَ فَضَرَبَ النَّبِيُّ r لَهُمْ مَثَلاً أَوْ قَالَ قَوْلاً «الرَّجُلُ يَرْمِي الرَّمِيَّةَ» أَوْ قَال: «الْغَرَضَ فَيَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلا يَرَى بَصِيرَةً وَ يَنْظُرُ فِي النَّضِيِّ فَلا يَرَى بَصِيرَةً وَ يَنْظُرُ فِي الْفُوقِ فَلا يَرَى بَصِيرَةً». قَالَ أَبُو سَعِيد: وَ أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ.

و قال رَسُولِ اللَّهِ r «يَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يُسِيئُونَ الأَعْمَالَ يقرأون الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ». قَالَ يَزِيدُ لا أَعْلَمُ إِلا قَالَ «يَحْقِرُ أَحَدَكُمْ عَمَلَهُ مِنْ عَمَلِهِمْ. يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلامِ. فَإِذَا خَرَجُو فَاقْتُلُوهُمْ ثُمَّ إِذَا خَرَجُو فَاقْتُلُوهُمْ ثُمَّ إِذَا خَرَجُو فَاقْتُلُوهُمْ. فَطُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَطُوبَى لِمَنْ قَتَلُوهُ. كُلَّمَا طَلَعَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قَطَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ». فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ r عِشْرِينَ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ وَأَنَا أَسْمَعُ. أخرجه أحمد.

و يمكننا الاستنتاج من الأحاديث الصحيحة التي أخرجها البخاري و مسلم و غيرهما أن صفات الخوراج هي:

1.   حُدَثَاءُ الأَسْنَان، و هذه كناية عن صغر السن. و المقصود هو قلة العلم الشرعي عندهم.

2.   سُفَهَاءُ الأَحْلامِ.

3.   يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قوْلِ الْبَرِيَّةِ. فلم يعب عليهم أقوالهم إنما عاب عليهم أفعالهم الشنيعة. فقد عمدو إلى الآيات التي نزلت في القرآن فجعلوها على المسلمين فاستحلو دمائهم.

4.   يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ.

5.   يَحْقِرُ أَحَدَكُمْ عَمَلَهُ مِنْ عَمَلِهِمْ.

6.   يُسِيئُونَ الأَعْمَالَ.

7.   يَخْرُجُونَ فِي فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ. فلا يشتد ساعدهم إلا في وقت الفتنة، فكان لهم دور كبير في إضعاف الدولة الأموية في عهد مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية.

8.   يقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ. و هذا شر أعمالهم. و لذلك سماهم رسول الله r بكلاب النار و أمر بقتلهم و استئصال شأفتهم. و كل من انطبق عليه هذه الوصف أنه يقل المسلمين و يدع الكافرين فهو من الخوراج.

بشكل عام كان الخوارج دوماً مصدر إقلاق لأمن الدولة الأموية على أنهم لم يستطيعو أن يكوِّنو دولة لافتقارهم إلى عصبية تجمعهم. فقد تفرق شملهم إلى جماعات صغيرة قليلة العدد تكفر بعضهاً بعضاً. و قتل كثير من زعمائهم على يد أتباعهم، فجعل الله بأسهم بين بعضهم بعضاً.

الفرق بين الخوارج و البغاة

و هذا باب في غاية الأهمية لكثرة ما يحدث اليوم من خلط بين هاتين الفرقتين لأغراضٍ سياسية. فيزعم هؤلاء أن كل من يخرج على أي إمام جائر أنه من الخوارج، و لكن كلام المحققين من أهل العلم يخالف ذلك. فليس من علاقة مباشرة بين الخوارج و بين الخروج على السلطان، إذ إن ذم الخوارج في الحديث جاء لأنهم يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان. أي أن سبب ضلالهم هو استحلالهم لدماء المسلمين. و لذلك لما خرجو على علي t و كفروه و صارو يصيحون عليه و هو يخطب بالمسجد، لم يمنعهم من المساجد بل قال لأصحابه لا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم. و لذلك انتظر حتى قتلو عبد الله بن خباب فقتلهم بدمه. أما من يخرج على السلطان المسلم فيُسمى بالباغي. و الفرق شاسعٌ بين الفرقتين. إذ أن البغي ليس فسوقٌ بالضرورة كما أفضنا سابقاً.

و جمهور أهل العلم يفرقون بين الخوارج المارقين و بين أهل الجمل و صفين. فقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي r أنه قال: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. يَقْتُلُهَا أَوْلَىَ الطّائِفَتَيْنِ بِالْحَقّ». و هذا الحديث يتضمن ذكر الطوائف الثلاثة و يبين أن المارقين نوع ثالث ليسو من جنس أولئك، فإن طائفة علي أولى بالحق من طائفة معاوية. و قال r في حق الخوارج المارقين: «فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[14]. و قال أيضاً: «لو يعلم الذين يقاتلونهم مالهم على لسان نبيهم لاتَّكَلو عن العمل». قال إبن تيمية: «فمن سَوّى بين قتال الصحابة الذين اقتتلو بالجمل و صفين، و بين قتال ذي الخويصرة التميمي و أمثاله من الخوارج المارقين و الحرورية المعتدين: كان قولهم من جنس أقوال أهل الجهل و الظلم المبين، و لزم صاحب هذا القول أن يصير من جنس الرافضة و المعتزلة الذين يكفرون أو يفسقون المتقاتلين بالجمل و صفين كما يقال مثل ذلك في الخوارج المارقين. فقد اختلف السلف و الأئمة في كفرهم على قولين مشهورين مع اتفاقهم على الثناء على الصحابة المقتتلين بالجمل و صفين و الإمساك عما شجر بينهم. فكيف نسبة هذا بهذا!»[15].

قضية رمي الدعاة بأنهم خوارج

فالصواب إذاً أنه ليس كل من يخرج عن الإمام الجائر يكون من الخوارج إن لم يكن متبنياً آراء الخوارج المعروفة أو عنده غلو في تكفير مرتكب الكبيرة. أما البغاة فلهم تفصيل من حيث أن لهم شوكة و عصبية أم ليس لهم شوكة؟ وهل خرجو على إمام جائر أم إمام عادل؟ و هل هم جائرون أم عُدُول؟ و سيأتي الكلام عن بعض ذلك بإذن الله.

أما بالنسبة لبعض جماعات الغلو التي تظهر بمظهر الغلو كما حصل في جماعة التكفير و الهجرة[16] و كما يرد شيئا من ذلك أحياناً في الجماعة الإسلامية المسلحة[17] في الجزائر و غيرها. فهذه الجماعات تكون مشابـهة الخوارج في غلوها و تكفيرها لمرتكب الكبيرة و إن كنا لا نعتبرها امتداداً تاريخياً للخوارج. و من ناحية أخرى ينبغي أيضاً أن لا ننساق وراء الإعلام الشرقي و الغربي حينما يضخم مثل هذه الأشياء التي قد تكون في بعض البلدان حالات فردية محدودة فتضخم و كأنها تياراً كبيراً و مؤثراً. و الواقع أن في كثير من بلاد لمسلمين لا توجد هذه الجماعات بهذا الحجم الذي قد نجده في الصحافة و لم يوجد بـهذا الحجم الكبير إلا ما حصل من جماعة التكفير و الهجرة في مصر، حيث صار لها كتب و آراء و منظرين و نحو ذلك. أما من بعدهم فمجرد جماعات محدودة لا تقوم على أسس علمية أو ترجع لرموز علمية معتبرة. و سبب هذه المبالغة هو إعطاء ذريعة للأنظمة الكفرية بضرب تلك الحركات الإسلامية تحت غطاء أنها جماعات تكفيرية خوارجية!

و الذين يخرجون على السلطان الكافر ليسو خوارج بالإجماع و لا حتى بغاة. و إعانة الكفار عليهم كفر أكبر، لأن تولي الكفار و إعانتهم على دماء المسلمين كفر بالله العظيم. إذ قال الله تعالى في سورة المائدة: ]تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوْ، لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ {80} وَ لَـوْ كَانُو يُؤْمِنُونَ بِالله و النَّبِيِّ وَ مَا أُنزِلَ إِلَيْهِ، مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَ لَـــكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ {81}[. و قال كذلك: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوْ لاَ تَتَّخِذُوْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {51}[. و نقل ابن حزم إجماع المسلمين على إجراء هذه الآية على ظاهرها و أن من يعين الكفار على حرب المسلمين فهو كافر كفر أكبر.

و من صور هذه الإعانة أيضاً ذكر مساوئ المسلم عمداً بغرض إعطاء الكافر مبرّراً لسفك دمه. و اعتبر بقصة أبي معبد الجهني أحد التابعين المخضرين الكرام[18]، كان في زمن عثمان بن عفان t يحدّث الناس و يذكر لهم بعض مآخذه على عثمان t، رغم إنه كان يحب عثمان t حباً شديداً كما أخبر بذلك ابنه. فاستغل هذه المآخذ أصحاب الفتنة من أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي، فألّبو الناس على عثمان t، فاستجاب بعض الناس لهم، ثم قامو على عثمان t فقتلوه وهو يقرأ كتاب الله. و لما حدث ذلك لعثمان، و راجع حساباته، فقال كلمته المشهورة: «و الله لا أعين على دم عثمان أبداً». فقيل له: «أوَ أعنت على دم عثمان؟». فقال: «إني لأرى ذكر مساوئ الرجال عوناً على دمه»[19].

ولعلّ من نافلة القول أن يسأل سائل: أين الخوارج اليوم، وهل لهم من وجود؟! و نقول أن فرق الخوراج كلها انقرضت إلا فرقة الإباضية في عُمان. و الإباضية اليوم هم أقرب للمعتزلة منهم للخوارج، فمن الأصح عدم تسميتهم بالخوارج بل بالمعتزلة. و الحديث عن فرقة الخوارج هذه الأيّام هو حديث عن ماضٍ مؤلم، أضاعت فيه هذه الفرقة الطاغية من دماء الأبرياء و حياة الأتقياء و أموال المسلمين ما لا يُحصيه إلاّ الله سبحانه و تعالى. وصرفت الخلافة عن قتال أعداء الله و المسلمين إلى دفع شرورهم و التصدّي لهم، و حالت دون الدعوة إلى الله سبحانه.

و هكذا حال أصحاب البدع و الضلالات قديماً و حديثاً يستنفذون طاقات الأمّة، و يضيّعون جهودها بإخماد نار فتنتهم عمليّاً بتجييش الجيوش و علميّاً بردود العلماء عليهم و بيان ضلالاتهم. وأمّا حديثاً ففي هدر طاقات الشباب المسلم و تمزيق شملهم و هم أحوج ما يكونون للاجتماع و التصدّي لأعداء الله سبحانه و تعالى من المنصّرين و المنافقين و أصحاب الضلالات من الفرق المارقة عن الدين من بهائيين و قاديانيين و قوميين و قبوريين و غيرهم كثير.

و لذلك أولى الناس بلقب الخوارج هم الذين يقومون بتبديع الجماعات الإسلامية و الدعاة و العلماء و إبراز مثالبهم، مع غض النظر عن الطواغيت و أعداء الأمة بل و تبرير جرائمهم. و الخوارج معروفون على مدى التاريخ باحترامهم و توقيرهم لأعداء الأمة. بل و زاد الخوراج المعاصرون عن القدامى أنهم يستعينون بالكفار على أهل التوحيد، كما وصفهم رسول الله r بأنهم يقتلون أهل التوحيد و يدعون أهل الأصنام. و لعلّ الأحباش هم أوضح مثال على هؤلاء، و عليهم قِس في كلّ بلد، و ما أكثرهم و إن تعددت صورهم.

 هنا نطرح سؤال مفيدا و هو: هل يوجد خوارج في هذا العصر؟ وما أصولهم؟ و قد أجمل الشيخ الدكتور عبد الرزاق الشايجي سماتهم في كتابه النافع "الخطوط العريضة لأصول أدعياء السلفية الجديدة"، فقال ما معناه: أصول الخوارج و منهجهم و سماتهم العامة:

1)             التكفير بالمعاصي (الكبائر) و إلحاق أهلها (المسلمين) بالكفار في الأحكام و الدار و المعاملة و القتال، لا سيما الدعاة المصلحين منهم.

2)             الخروج على جماعة المسلمين و معاملتهم معاملة الكفار في الدار و الأحكام، و البراء منهم و امتحانهم و استحلال دمائهم.

3)             ألغو أحكام الجهاد الشرعية و جعلو كل من أراد أن يخرج على حاكم أو يقاتل شعبه فهو من الخوارج.

4)             صرف نصوص الأمر بالصبر على جور حكام المسلمين عن ظاهرها، و تنزيلها على الطواغيت المبدلين لشرع الله و دينه.

5)             كثرة القراء الجهلة فيهم و الأعراب، و أغلبهم كما وصفهم النبي r: «حُدَثَاءُ الأَسْنَان، سُفَهَاءُ الأَحْلامِ».

6)             عدم ظهور سيما الصالحين عليهم، و كثرة العبادة كالصلاة و الصيام، و أثر السجود، و لا يجيدون غير تشمير الثياب، و يقل فيهم الورع و الفقه و الصدق و الزهد، مع التشدد و التنطع في الدين.

7)             ضعف الفقه في الدين و قلة الحصيلة من العلم الشرعي، كما وصفهم النبي r ( يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ).

8)             ليس فيهم من الأئمة و العلماء و أهل الفقه في الدين أحد.

9)             الغرور و التعالم و التعالي على العلماء، حتى زعمو أنهم أعلم من سائر الصحابة، و التقو على الأحداث الصغار و الجهلة قليلي العلم.

10)       الخلل في منهج الاستدلال، حيث أخذو بآيات الوعد و تركو آيات الوعيد، و استدلو بالآيات الواردة في المسلمين و جعلوها في الطواغيت، و العكس بالعكس. كما قال فيهم ابن عمر r: «انطلقو إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين». أي أنهم ينزلون الآيات على غير منازلها.

11)       سرعة التقلب و اختلاف الرأي و تغييره (أحقاد بلا علم و لا فقه). لذلك يكثر تنازعهم و افتراقهم فيما بينهم، و إذا اختلفو تفاصلو و تقاتلو. فلا يكاد أحدهم يتفق مع الآخر إلا في تبديع المخالفين لهم جميعاً.

12)       سرعة إطلاق الحكم على المخالف بلا تثبيت.

13)       الحكم على القلوب و اتهامها، و منه الحكم باللوازم و الظنون.

14)       القوة و الخشونة و الجلد و الجفاء و الغلظة في الأحكام و التعامل و الجدال.

15)       قصر النظر و ضيق العطن و قلة الصبر، و استعجال النتائج.

16)       يقتلون أهل الإسلام لا سيما الدعاة المخلصون و يخاصمونهم، و يدعون أهل الأوثان و الطواغيت، كما جاء وصفهم في الحديث.

17)       تعظيمهم و تأييدهم لبطش الحكومات بالإسلاميين و الثوار على الظلم، و يسمون ذلك جهاداً.

قضية الإنكار على السلطان من قبل العلماء

لا شكّ في أن الإنكار على السلطان لا علاقة له البتة في الاتهام بالانتماء لفرقة الخوارج. فقد سبق و قلنا أن أهم صفة للخوارج هي استحلالهم لدماء الموحدين، أما في هذه القضية فليس بها استحلال دم أحد. عن عبادة بن الصامت t قال: « بايعنا رسول الله r على السمع والطاعة في المنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم» رواه البخاري. و قال أبو ذر t: « بايعني رسول الله r خمساً، و أوثقني سبعاً، و أشهَدَ اللهَ عليَّ تِسعاً، أن لا أخاف في الله لومة لائم. و بسطتُّ يدي. فدعاني رسول الله r فقال: هل لك إلى بيعةٍ و لك الجنة؟ قلت: نعم»، رواه الإمام أحمد. و قد قال رسول الله r: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر». حديث صحيح رواه أحمد و غيره.

و كتب السِّـيَر و التاريخ تفيض بقصص إنكار العلماء على السلطان نذكر منها قصة أبي سعيد الخدري الذي مرّ معنا معارضته لخروج ابن الزبير. يقول t: «كان رسول الله r يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس –والناس جلوس على صفوفهم– فيعظهم و يوصيهم و يأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه، أو يأمر بشيء أمر به ثم ينصرف. فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان –و هو أمير المدينة– في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبرٌ بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي. فجذبت بثوبه فجذبني، فارتفع فخطب قبل الصلاة. فقلت له: غيّرتم و الله. قال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم. فقلت: ما أعلم و الله خير مما لا أعلم. فقال: إن الناس لم يكونو يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة». رواه البخاري ومسلم.

في تحريم الخروج على السلاطين المسلمين

إنه ينبغي على كل مسلم أن يتدبر أحاديث النبي r و التي تنهى عن السعي في الفتنة، أو الدخول فيها، و الخروج على ولاة الأمر المسلمين. فقد كان النبي r يحذر أصحابه من الفتن. و قد ثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: «بينما نحن حول رسول الله r، ذكرو الفتنة أو ذكرت عنده، قال: إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم و كانو هكذا، و شبك بين أصابعه. قال: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك و أمسك عليك لسانك، و خذ ما تعرف، و دع ما تنكر، و عليك بأمر خاصة نفسك، و دع عنك أمر العامة»[20].

و قال عبادة بن الصامت t: «دعانا النبي r، فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لاننازع الأمر أهله إلا أن ترو كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان»[21]. و في حديث أم سلمة مرفوعاً: «ستكون أمراء فتعرفون و تنكرون فمن عرف بريء ومن أنكر سلم ولكن من رضي و تابع. قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلو»[22].

و لما كان الخروج على الإمام لا يأتي بخير، فقد جاءت الأحاديث النبوية تعظم و تحذر من الإقدام على مثل هذا العمل، و ذلك لأن النتائج معروفة سلفاً. و حتى إن حقق الخارجون بعض ما يريدون، فإن المصائب و المآسي التي ترافق الخروج و النتائج المترتبة عليه بعد ذلك، ستكون حتماً أعظم من المصلحة التي قصد من أجلها الخروج. و لهذا قال محمد بن الحنفية رحمه الله: «رحم الله امرأ أغنى نفسه، و كف يده و أمسك لسانه، و جلس في بيته: له ما احتسب و هو مع من أحب»[23].

و الحسن البصري –و هو من هو في العلم و العمل– كان يأمر الناس بعدم الانخراط في فتنة يزيد بن المهلب، و ابن الأشعث. و كان يحثّ الناس بأن يغلقو عليهم أبوابهم. و كان يقول: «و الله لو أن الناس إذا ابتلو مِنْ قِبَلِ سلطانهم صبرو، ما لبثو أن يرفع الله عزّ و جلّ عنهم. و ذلك أنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه. و اللهِ ما جاءو بيوم خير قط»[24]. ثم تلا: ]و أورثنا القوم الذين كانو يستضعفون مشارق الأرض و مغاربها التي باركنا فيها. و تمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبرو. و دمرنا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانو يعرشون[[25]. و كان يقول: «إن الحجاج عذاب الله. فلا تدفعو عذاب الله بأيديكم، و لكن عليكم بالاستكانة و التضرع، فإنه تعالى يقول: ]و لقد أخذناهم بالعذاب فما استكانو لربهم و ما يتضرعون[[26] »[27].

و لم يكن الحسن البصري هو الوحيد الذي يطلب من الناس لزوم الجماعة مهما بلغ ظلم الحاكم، بل كان يشاركه الكثير من أهل العلم و التقوى. فكان الأوزاعي يقول: «خمسةٌ كان عليها الصحابة و التابعون: لزوم الجماعة، و اتباع السُّـنة، و عمارة المسجد، و التلاوة، و الجهاد»[28]. و قالت الحكماء: «إمام عادل خير من مطر وابل. و إمام غشوم خير من فتنة تدوم». و قال عبد الله بن عمر t: «إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر و عليك الشكر. و إذا كان الإمام جائراً فله الوِزر و عليك الصبر».

و هذا الإمام أحمد رحمه الله تحمل بنفسه العذاب و الألم الذي أصابه بسبب فتنة خلق القرآن. و لمّا اجتمع إليه فقهاء بغداد في ولاية الواثق و شاوروه في ترك الرضا بإمرته و سلطانه، قال لهم: «عليكم بالنكرة في قلوبكم، و لا تخلعو يداً من طاعة، و لا تشقّو عصى المسلمين، و لا تسفكو دماءكم و دماء المسلمين»[29].

و هذا الذي استقرت عليه عقيدة أهل السنة و الجماعة، و كانت هي العقيدة التي حافظت على كيان المجتمع الإسلامي من الحروب الأهلية و التناحر و الفرقة، التي ربما لو أنها انتشرت في مجتمعات المسلمين لما استطاعت الصمود أمام هجمات أعدائهم عبر القرون الطويلة.

و قد كتب العلامة إبن خلدون في مقدمته فصلاً كاملاً "في أن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم"[30]، قال فيه: «في و هذا لما قدمناه من أن كل أمر تحمل عليه الكافة، فلا بد له من العصبية. و في الحديث الصحيح كما مر: "ما بعث الله نبيا إلا في منعة من قومه" و إذا كان هذا في الأنبياء و هُم أولى الناس بخرق العوائد، فما ظنك بغيرهم أن لا تخرق له العادة في الغلب بغير عصبية؟!».

ثم قال: «و من هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر من العامة و الفقهاء. فإن كثيراً من المنتحلين للعبادة و سلوك طرق الدين، يذهبون إلى القيام على أهل الجور من الأمراء، داعين إلى تغيير المنكر و النهي عنه و الأمر بالمعروف رجاء في الثواب عليه من الله. فيكثر أتباعهم و المتلثلثون بهم من الغوغاء و الدهماء. و يعرضون أنفسهم في ذلك للمهالك. و أكثرهم يهلكون في هذا السبيل مأزورين غير مأجورين، لأن الله سبحانه لم يكتب ذلك عليهم. و إنما أمر به حيث تكون القدرة عليه. قال: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ"[31]. و أحوال الملوك و الدول راسخةُ قويةُ لا يزحزحها و يهدم بناءها إلا المطالبة القوية التي من ورائها عصبية القبائل و العشائر كما قدمناه[32]. و هكذا كان حال الأنبياء –عليهم الصلاة و السلام– في دعوتهم إلى الله بالعشائر و العصائب، و هم المؤيدون من الله بالكون كله لو شاء. لكنه إنما أجرى الأمور على مستقر العادة، و الله حكيم عليم. فإذا ذهب أحدٌ من الناس هذا المذهب و كان فيه محقاً، قصّر به الانفراد عن العصبية، فطاح في هوة الهلاك. و أما إن كان من المتلبسين بذلك في طلب الرئاسة، فأجدر أن تعوقه العوائق و تنقطع به المهالك. لأنّه أمر الله، لا يتم إلا برضاه و إعانته و الإخلاص له و النصيحة للمسلمين، و لا يشك في ذلك مسلم و لا يرتاب فيه ذو بصيرة».

ثم ذكر العلامة ابن خلدون أمثلة كثيرة في التاريخ تثبت ما ذهب إليه (و سنذكر بدلاً منها أمثلة من الواقع المعاصر)، ثم قال: «ثم اقتدى بهذا العمل بعد، كثير من الموسوسين يأخذون أنفسهم بإقامة الحق و لا يعرفون ما يحتاجون إليه في إقامته من العصبية، و لا يشعرون بمغبة أمرهم و مآل أحوالهم. و الذي يحتاج إليه في أمر هؤلاء: إما المداواة إن كانو من أهل الجنون، و إما التنكيل بالقتل أو الضرب إن أحدثو هرجاً، و إما إذاعة السخرية منهم... و أكثر المنتحلين لمثل هذا، تجدهم موسوسين أو مجانين أو ملبسين يطلبون بمثل هذه الدعوة رئاسة امتلأت بها جوانحهم و عجزو عن التوصل إليها بشيء من أسبابها العادية. فيحسبون أن هذا من الأسباب البالغة بهم إلى ما يؤملونه من ذلك، و لا يحسبون ما ينالهم فيه من الهلكة. فيسرع إليهم القتل بما يحدثونه من الفتنة و تسوء عاقبة مكرهم».

ثم ختم ذلك الباب بقوله «و الغلط فيه من الغفلة عن اعتبار العصبية في مثلها. و أما إن كان التلبيس فأحرى أن لا يتم له أمر و أن يبوء بإثمه، و ذلك جزاء الظالمين. و الله سبحانه و تعالى أعلم، و به التوفيق لا رب غيره و لا معبود سواه».

أما عن بن الزبير t و أصحاب الحرّة فقد بَيـَّن إبن تيمية أن السبب في خروجهم هو ظنهم أنه بالقتال تحصل المصلحة المطلوبة. إذ غلب على ظنهم أنه بخروجهم على يزيد سوف تحصل المصلحة المطلوبة التي من أجلها أرادو الخروج، و ترجع الشورى إلى حياة المسلمين و يتولى على البلاد أفضلها. فلم يحصل بالقتال ذلك، بل عظمت المفسدة أكثر مما كانت، فتبين لهم آخر الأمر ما كان الشارع دل عليه من أول الأمر[33]. و انعقد إجماع الفقهاء بعد ذلك على تحريم الخروج على السلطان المُسلم، إلا من يُعرف عنه حب مخالفته و مِمّن لا يُعتدُّ بشذوذه كابن حزم الظاهري الذي وَهِمَ أن كل تلك النصوص الصريحة في عدم الخروج على السلطان منسوخة[34]!

و لقد أجاب الإمام الشوكاني على أمثال هؤلاء فقال: «استدلو بعموماتٍ من الكتاب و السنة في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و لا شكّ و لا ريب أن الأحاديث التي ذُكِرت في هذا الباب أخصُّ من تلك العمومات مطلقاً، و هي متواترةٌ بالمعنى كما يَعرف ذلك من له أنسةٌ بعلم السنة». و قد نقل الإجماع على ذلك القاضي عَيّاض[35].

فكانو –رحمهم الله– يريدون أن يعملو خيراً، و أن ينكرو منكراً، فوقعو في منكرٍ أعظم مما خرجو لإنكاره، من قتل النفس و أخذ المال و من تعطيل الجهاد و الثغور و غير ذلك من المفاسد. و لهذا فإن المنكر إذا لم يزل إلا بما هو أنكر منه، صارت إزالته على هذا الوجه مُنكراً، و إذا لم يحصل المعروف إلا بمنكرٍ مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف، كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكراً[36].

ثم إن إنكار المنكر فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره، سقط الإنكار بيده و وجبت كراهته بقلبه، و هذا ما أجمع عليه العلماء[37]. و هذا بعينه هو الحكمة التي راعاها رسول الله r، في النهي عن الخروج على الأمراء، و ندب إلى ترك القتال في الفتنة، و إن كان الفاعلون لذلك يرون أن مقصودهم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر[38]. و لأن الفساد الناشئ عن القتال في الفتنة أعظم من فساد ظلم ولاة الأمر، فلا يُزال أخف الفسادين بأعظمهما[39].

و في الجملة فإن أهل السنة يجتهدون في طاعة الله و رسوله بحسب الإمكان، كما قال تعالى: ]فاتقو الله ما استطعتم[، و قال النبي r: «إذا أمرتكم بأمر فأتو منه ما استطعتم». و الله تعالى بعث رسوله r بتحصيل المصالح و تكميلها و تعطيل المفاسد و تقليلها. و قلّ من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما يتولد من الشر أعظم مما يتولد من الخير. فأما أهل الحرة و ابن الأشعث و ابن المهلب و غيرهم، فهُزِمو و هُزِم أصحابهم، فلا أقامو دِيناً و لا أبقو ديناً. و أهل الحرّة ليسو بأفضل من علي و عائشة و طلحة و الزبير و غيرهم، و مع هذا لم يحمدو ما فعلوه من القتال، و هم أعظم قدراً عند الله و أحسن نيةً من غيرهم[40]. و بعد هذا فإن الذي عليه الأكثر من العلماء أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه، لأن في منازعته و الخروج عليه استبدال الأمن بالخوف و إراقة الدماء و انطلاق أيدي السفهاء و شن الغارات على المسلمين و الفساد في الأرض[41].

و ما أجمل ما قاله ابن القيم في هذا الصدد: «و من تأمّل ما جرى على الإسلام في الفتن الصغار و الكبار، رآها من إضاعة هذا الأصل، و عدم الصبر على المنكر. فطلبو إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه. و قد كان رسول الله r يرى بمكة أكبر المنكرات و لا يستطيع تغييرها. بل لمّا فتح الله مكة صارت دار الإسلام، عزم على تغيير البيت و ردّه على قواعد إبراهيم، و منعه من ذلك مع قدرته عليه خشيته وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام، و كونهم حديثو عهد بكفر. و لهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم»[42].

لكن يجب الانتباه هنا إلى أن كثيراً ممن خرج على الحَجَّاج كان يكفره. فليس الكلام عن هذا في هذا الباب، إنما في باب الخروج على السلطان الكافر. و هذا منوطٌ بالقدرة على تغيير السلطان، و التي يلزمها بالدرجة الأساسية العصبية القوية. و قد سبق و تكلمنا عن كثرة الغلط في حساب القدرة و الاستطاعة على تغيير السلطان بسبب إهمال عنصر العصبية. فيكون الذين خرجو على الحجاج و هم يظنون أن الشوكة لهم، مأجورين مثابين على عملهم و إن كان خطأ لأنه خطأ دنيوي. أما تكفير الحجاج فقد روى أبو بكر بن أبي شيبة بإسنادٍ صحيحٍ عن الإمام الشعبي أنه قال عن الحجاج: «أشهد أنه مؤمن بالطاغوت كافر بالله - يعني الحجاج»[43]. و قريب منه قول طاووس بإسناد صحيحٍ أيضاً: «عجباً لإخواننا من أهل العراق: يسمون الحجاج مؤمناً!». و قد ذكره الحافظ ابن حجر و قال: «و كفّره جماعة منهم سعيد بن جبير و النخعي و مجاهد و عاصم بن أبي النجود و الشعبي و غيرهم»[44]. و مع ذلك فإن الإمام الشعبي لم يخرج على الحجاج مع تكفيره له لعلمه بعدم وجود الشوكة و العصبية معهم. فقد قيل للشعبي في فتنة ابن الأشعث: «أين كنت يا عامر؟». قال كنت حيث يقول الشاعر:

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى                            و صَوَّت إنسانٌ فكِدت أطير

أصابتنا فتنةً لم نكن فيها بررة أتقياء، و لا فجرة أقوياء»[45]. و هذا سينقلنا إلى بحث آخر أهم من هذا و أقرب للواقع.

قضية الخروج على الحاكم الكافر

اعلم بأن الجهاد لا يعلن على حكام المسلمين إلا في حالتين:

1)   في حالة اجتياح أو مذابح جماعية كما حصل في البوسنة عام 1994، أو كما في الأندلس أيام محاكم التفتيش. أي حيثما لا يوفر السلطان الحماية على النفس أو المال أو الدين، فيكون ذلك من باب دفع العدو الصائل فلا يحتاج إلى إمام.

2)   إذا كفر الحاكم كفراً ظاهراً لا شك فيه و أظهر ذلك و ألغى حدود الله، فيصح الخروج عليه و إزالة الكفر باليد إن توفرت الاستطاعة. فإن لم تتوفر الاستطاعة فعلى المسلمين الهجرة إلى بلدٍ يأمنو به الفتنة فمن لم يستطع الهجرة فعليه أن ينكر ذلك الكفر بلسانه فإن لم يستطع فبقلبه. قال الحافظ إبن حجر: «... و ملخصه أنه (أي الحاكم المرتد) ينعزل بالكفر إجماعاً. فيجب على كل مسلم القيام في ذلك. فمن قوي على ذلك فله الثواب، و من داهن فعليه الإثم، و من عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض»[46].

و اعلم بأن الخروج على الحكام المرتدين ليس مشروعاً إطلاقاً حتى تتوفر الاستطاعة. ذلك بأن هذا الخروج ينبغي أن يكون خروجاً قائماً على الشرع كالصلاة التي ينبغي أن تكون قائمة على الطهارة و هي الوضوء. و نحن نحتج في مثل هذه المسألة بمثل قوله تبارك و تعالى: ]لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة[. إن الدور الذي يمر به المسلمون اليوم من تحكم بعض الحكام ممن كفرهم كفر جلي واضح ككفر المشركين تماماً، يطابق العهد المكي تماماً الذي نهى به رسول الله r أصحابه عن القتال حتى تقوى شوكتهم و يتعمق الإيمان في قلوبهم. و إذا لم تحصل المعجزة لرسول الله r و معه خير القرون أجمعن و احتاج لأن يأخذ بالأسباب حتى يحقق النصر، فمن باب أولى أن لا تحصل المعجزات و خرق الطبيعة و قوانين العصبية لغيره و لمن هم دون قرنه.

إن الجهاد في الشريعة الإسلامية ليس مقصوداً بذاته، و لكنه وسيلة تفضي إلى غاية، كما قال الله تعالى و قوله الحق: ]و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله. فإن انتهو فإن الله بما تعملون بصير[ [الأنفال: 39]. فالغاية من الجهاد أن يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان. فإذا غلب على ظن أهل الحل و العقد أن المسلمين غير قادرين على تحقيق هذا الهدف، لا يجوز لهم أن يقدمو على أمر يترتب عليه فساد كبير، و شر عظيم.

وإن من مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ الضروريات الخمس: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. فإذا غلب على الظن أن حفظ الدين كله غير متحقق وجب تقديم مصلحة حفظ النفس عملاً بقاعدة ارتكاب أخف الضررين. و هذا شيء مجمع عليه بين الفقهاء. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيها مستضعف، فليعمل بآية الصبر و الصفح و العفو عمن يؤذي الله و رسوله من الذين أوتو الكتاب و المشركين. و أما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، و بآية قتال الذين أوتو الكتاب حتى يعطو الجزية عن يد و هم صاغرون»[47].

و قال كذلك: «إن الأمر بقتال الطائفة الباغية مشروط بالقدرة و الإمكان. إذ ليس قتالهم بأولى من قتال المشركين و الكفار، و معلوم أن ذلك (أي قتال الكفار) مشروط بالقدرة و الإمكان. فقد تكون المصلحة المشروعة أحياناً هي التألف بالمال، و المسالمة و المعاهدة، كما فعله النبي r غير مرة. و الإمام إذا اعتقد وجود القدرة و لم تكن حاصلة كان الترك في نفس الأمر أصلح. و من رأى أن هذا القتال مفسدته أكثر من مصلحته، علم أنه قتال فتنة فلا تجب طاعة الإمام فيه»[48].

و لذلك فالقتال من غير نكاية في الكفار، مغامرة حمقاء مآلها الفشل و الخذلان. و العدو هو المستفيد الأول من هذه المغامرة لأنها تعطيه المبرر لسحق الدعاة و أخذ البريء بحجة المتهم دفاعاً عن نفسه و عن نظامه. و لا يجوز للمسلم أن يذل نفسه و يوردها موارد الهلاك. و قد قال رسول الله r: «لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ». قالو: و كيف يذل نفسه؟ قال: «يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاءِ لِمَا لا يُطِيقُ»[49]. و أيَّ ذلٍّ أكبر و أعظم من الذل الذي يلقاه هؤلاء الإخوة و أقربائهم و كثير من الأبرياء في سجون الطغاة المتجبرين؟!

فالثابت قطعاً أن الخروج على الحكام الكافر إن لم تكن هناك قدرة عليه فليس بمفروض على الناس لقوله تبارك و تعالى ]لا يكلف الله نفساً إلا وسعها[. و إنما المطلوب هو امتلاك تلك القدرة أولاً. و رحم الله الإمام أحمد بن حنبل الذي رفض الخروج على المأمون (و هو الذي فرض على الناس بدعة القول بخلق القرآن، و هذا كفر)، و قال لمن استفتاه: «سبحان الله، الدماء الدماء! لا أرى ذلك و لا آمر به. الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة، تسفك فيها الدماء». قال له السائل: «و الناس اليوم في فتنة يا أبا عبد الله». قال: «و إن كان. فإنما هي فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عمت الفتنة و انقطعت السبل. الصبر على هذا و يسلم لك دينك خير لك».

الحكم الديمقراطي و الحكم الاستبدادي

يلهج الكثير من الباحثين في مناقشة إن كان الحكم الديمقراطي أفضل أم الاستبدادي. و كل طرف له أدلته القوية على ما يذهب إليه و هي أدلة صحيحة، لكن الاستنتاج خطأ لأنهم يهملون حساب العصبية. و قد مرّ معنا كيف أن الديمقراطية –بمفهومها الأفلاطوني المثالي– كانت وبالاً على قرطاجة فيما أن الاستبداد كان قوّةً لروما.

و هذا ليس عاماً في كل عصر بل هو خاصة بالجيل الثالث أو الرابع لما يكون عند الناس من جبن و تفرق و تخاذل نتيجة ضعف العصبية، فتكون الديمقراطية ضعفاً على ضعف، بينما يكون الحاكم المستبد القوي أقوى لو أنه استبد في طلب المجد لهم و قتال عدوهم. و مثل هذا لا يكون بالجيل الأول، إذ قلّما يستبد بأهل ذلك العهد أحدٌ لقوة عصبيتهم و لاشتراكهم في المجد و في بناء الدولة، و لعلو همتهم، فلا يرضون أن يستبد بهم أحد. و تكون الشورى في ذلك العهد قوة للحاكم لما عرف من قوة رعيته و تكاتفهم مع بعضهم البعض على عدوهم.

و لا بدّ من الإشارة إلى أن الديمقراطية بالتعريف المتعارف عليه (حكم الشعب نفسه بنفسه) مرفوضٌ تماماً في شرع الله لأن التشريع هو من حقه وحده. و لذلك نجنح إلى اصطلاح الشورى الذي فيه اختلافات عملية كبيرة عن الديمقراطية لا مجال لمناقشتها هنا. فالديمقراطية فيها الفوضى، و الاستبداد فيه الظلم، و الشورى الإسلامية وحدها فيها العدل. و أحسن ما تكون في الجيل الأول كما كانت على عهد رسول الله r و الخلفاء الراشدين من بعده.

فلمّا توسّعت الدولة و تفرّق الصحابة في الأمصار و ضعفت العصبية في نهاية الجيل الأول، لم يعد الحاكم بقادرٍ على الحكم بنفس الشورى التي كانت على العهد الأول. سأل رجل علياً t: «ما بال المسلمين اختلفو عليك و لم يختلفو على أبي بكر و عمر؟». فقال: «لأن أبا بكر و عمر كانا واليين على مثلي، و أنا اليوم والٍ على مثلك!». يشير إلى تغير وازع الدين و العصبية. و هذا الذي دعى معاوية إلى حملهم على غير هذه الطريقة لما ضعفت عصبيتهم بالجيل الثاني، فجعل الخلافة في بني أمية لأنهم أهل الحل و العقد في ذلك العصر لشدة شوكتهم و عصبيتهم[50]. و لو حملهم معاوية على غير تلك الطريقة، لوقوع في افتراق الكلمة التي كان جمعها و تأليفها أهم عليه من أمر ليس وراءه كبير مخالفة.

و قد كان العبد الصالح عمر بن عبد العزيز يقول إذا رأى القاسم بن محمد بن أبي بكر: «لو كان لي من الأمر شيء لوليته الخلافة». و لو أراد أن يعهد إليه لفعل، و لكنه كان يخشى من بني أمية أهل الحل و العقد لما ذكرناه. فلا يقدر أن يحول الأمر عنهم لئلا تقع الفرقة. و هذا كله إنما حمل عليه منازع المُلك التي هي مقتضى العصبية. فالمُلك إذا حصل و فرضنا أن الواحد انفرد به و صرفه في مذاهب الحق و وجوهه، لم يكن في ذلك نكير عليه. و لقد انفرد سليمان و أبوه داود -صلوات الله عليهما- بملك بني إسرائيل، لِمَا اقتضته طبيعة الملك من الانفراد به، و كانو ما عَلِمْت من النبوءة و الحق. و كذلك عهد معاوية إلى يزيد خوفاً من افتراق الكلمة بما كانت بنو أمية لم يرضو تسليم الأمر إلى من سواهم، فلو قد عهد إلى غيره لاختلفو عليه مع أن ظنهم كان به صالحاً[51].

أفلا ترى إلى المأمون لمّا عهد إلى علي بن موسى بن جعفر الصادق و سمّاه الرضا، كيف أنكرت العباسية ذلك و نقضو بيعته و بايعو لعمه إبراهيم بن المهدي. و ظهر من الهرج و الخلاف و انقطاع السبل. و تعدّد الثوار و الخوارج ما كاد أن يصطلم الأمر. حتى بادر المأمون من خراسان إلى بغداد و رد أمرهم لمعاهده.

و لذلك فإنه كما يكون الناس يولّي الله عليهم، و لا يغيّر الله ما بقومٍ حتى يغيّرو ما بأنفسهم. و لمّا قدِم رجال الكوفة على عمر بن الخطاب t يشكون سعد بن أبي وقّاص t، قال: «من يعذرني من أهل الكوفة؟ إن ولَّيتهم التقيّ ضعَّفوه، و إن ولَّيتهم القويَّ فجَّروه». فقال له المغيرة بن شعبة t: «يا أمير المؤمنين، إنّ التقيّ الضّعيف له تقواه و عليك ضعفه، و القويّ الفاجر لك قوته و عليك فجوره»! قال: «صدقت. فأنت القوي الفاجر، فاخرج إليهم». فلم يزل عليهم أيام عمر، و صدر أيام عثمان، و أيام معاوية، حتى مات المغيرة[52]. و لم تقم في زمنه فتنة واحدة لشدة حزمه مع عدل و إنصاف. و لو أن عثمان t أبقاه في الولاية لاستحال على إبن سبأ أن ينشر فتنته في الكوفة. و لكن قدر الله و ما شاء فعل، و هو على كل شيء قدير.

 



[1]  الحديث صحّحه الترمذي. إنظر أيضاً تصحيح الألباني في إرواء الغليل (2455).

[2]  إنظر في صحيح مسلم باب الإمارة \ الناس تبع لقريش و الخلافة في قريش.

[3]  راجع السلسلة الصحيحة للألباني (1\ 820) رقم (459)، حيث جمع طرق الحديث الصحيحة.

[4]  وَ يُؤَيِّدُ ذلك مَا أَخْرَجَهُ مُسَدَّد فِي مُسْنَده الْكَبِير مِنْ طَرِيق أَبِي بَحْر، أنَّ أَبَا الْجَلْد حَدَّثَهُ أَنَّهُ «لا تَهْلِك هَذِهِ الْأُمَّة حَتَّى يَكُونَ مِنْهَا اِثْنَا عَشَرَ خَلِيفَة كُلّهمْ يَعْمَل بِالْهُدَى وَ دِينِ الْحَقّ، مِنْهُمْ رَجُلَانِ مِنْ أَهْل بَيْت مُحَمَّد، يَعِيش أَحَدُهُمَا أَرْبَعِينَ سَنَة، وَ الْآخَر ثَلَاثِينَ سَنَة».

[5]  قال عمرو بن عون أخبرنا هشيم عن العوام عن سليمان بن أبي سليمان عن أبيه عن أبي هريرة قال النبي r: «الخلافة بالمدينة و الملك بالشام». التاريخ الكبير (4\15). إنظر أيضاً: المستدرك على الصحيحين (3\75). فيه رجل مجهول.

[6]  َأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَ صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ. و فيه ردٌّ بليغٌ على الشِّيعة، إذ فيه تفضيل أبي بكر الصديق على سائر الأمّة.

[7]  و على فرض أنها صحيحة، فإنها ليست من الخلافة الرّاشدة لأن أمر الأمة لم يجتمع لمروان.

[8]  نافع بن الأزرق مؤسس فرقة الأزارقة، و هم الفرقة الأكثر تطرّفاً بين الخوراج كلّهم.

[9]  عبد الله بن أباض مؤسس فرقة الأباضية، و هم الفرقة الأكثر اعتدالاً بين الخوراج. و ما زالت بقاياها إلى اليوم في عُمان، لكن بعد أن استغنت عن عقيدة الخوارج و سفك الدماء، و استبدلتها بعقائد المعتزلة.

[10]  إنظر تفصيل ذلك في البداية و النهاية.

[11]  و يُسمّى محمّد بن الحنفيّة، نسبة إلى أُمّه.

[12]  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية (1/527).

 [13] (التوبة:97).

[14]  أخرجه مسلم (1771) في باب الزكاة، و البخاري (6418) في باب استتابة المرتدين و قتل الخوارج.

[15]  الفتاوى الكبرى (4\285).

 [16] هنا لا بدّ من التنبيه إلى أن جماعة التكفير و الهجرة التي نشأت في مصر لا علاقة لها البتة في الخروج على السلطان. فقد تأسست على يد أفراد تعرضو لأشد التعذيب في سجون الناصري، مما وسع فكرة التكفير عندهم من مجرد كفر جمال العبد الخاسر و جنوده (و هذا حق)، إلى تكفير من يكفره و بالتالي تكفير المجتمع. لكن تلك الفرقة لا ترى الخروج على الدولة بل الهجرة إلى مناطق نائية ثم الانتظار حتى يفنى المجتمع الجاهلي و يعود العالم إلى عهد السيف بزعمهم. و لهذا السبب توقف النظام المصري عن اضطهادهم لما عرف أنه ليس من خطر منهم. لكن هذه التهمة صارت مطاطة تطلق على أي معارض لتلك الأنظمة الكفرية. و الله المستعان على ما يصفون.

 [17] و هذه المنظمة مخترقة إلى العظم من قبل النظام الجزائري كما ثبت بالدليل القاطع من طرق متعددة.

[18]  هذه القصة نوردها استشهاداً لكن شتان ما بين هذا و بين ذاك. فأبي معبد لم يقصد أبداً الإعانة على دم عثمان فضلاً عن أن قتلة عثمان في جملتهم فجّار و ليسو كفاراً.

[19]  من كتاب في قفص الاتهام للدكتور علي الحمادي.

[20]  المسند ( 11/172) بسند صحيح.

[21]  أخرجه البخاري (7055–7056) و مسلم (170) (كتاب الإيمان حديث 24).

[22]  أخرجه مسلم (1854).

[23]  الطبقات لابن سعد (5/71).

[24]  الطبقات لابن سعد (7/137).

[25]  (الأعراف:137).

[26]  (المؤمنون:76).

[27]  الطبقات لابن سعد (7/164) بإسناد صحيح.

[28]  الذهبي في التذرة (1/180).

[29]  طبقات الحنابلة لأبي يعلي (1/144).

 [30] إنظر المقدمة – الفصل السادس (ص 110) ط دار الهلال ببيروت.

 [31] أخرجه مسلم في صحيحه (49)، و أبو داود (1140)، (4340)، و الترمذي (2172)، و ابن ماجه (1275)، (4013)، و النسائي ( 8/111-112)، و أحمد (3/54) من حديث أبي سعيد الخدري.

 [32] بالله عليكم، هل يعقل أن اغتيال شرطي أو شرطيين يمكن أن يؤدي إلى سقوط نظام قوي مستبد مدعوم من الخارج؟!

[33]  منهاج السنة (4/538).

[34]  الدرة فيما يجب اعتقاده (ص 376).

[35]  شرح مسلم للنووي (12/229).

[36]  منهاج السنة (4/536).

[37]  شرح صحيح مسلم (12/230).

[38]  منهاج السنة (4/536) بتصرف.

[39]  منهاج السنة (4/542).

[40]  منهاج السنة (4/427،428) بتصرف.

[41]  الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/109).

 [42] إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/14–16).

 [43] مصنف إبن أبي شيبة – كتاب الإيمان ص(32).

 [44] تهذيب التهذيب (2/211).

 [45] للتوسع إنظر كلام إبن تيمية في منهاج السنة النبوية (4\527–531).

[46]  فتح الباري (13/132).

 [47] كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول، (ص 215)، مكتبة دار الجيل، بيروت.

 [48] فتاوى ابن تيمية (4/442).

 [49] رواه الترمذي في الفتن، و قال: حسن غريب. و رواه أحمد في المسند: (5/405).

[50]  العصبية الأولى هي إسلامية و الثانية قبلية.

[51]  إنظر تفصيل ذلك في مقدمة إبن خلدون (ص 140)، في انقلاب الخلافة إلى المُلك.

[52]  العقد الفريد – كتاب اللؤلؤة.