العصبية في التاريخ الحديث

1) الـيـابـان

2) كـوريـا

3) الـصّـيـن

4) ألـمـانـيـا

5) الاتـحـاد الـسـوفـيـيـتـي و الـغـرب

6) الـتـيـبـيـت

7) الـعـراق

8) أفـغـانـسـتـان

9) الـجـزائـر

10) الـخـلـيـج الـعـربـي

العصبية في التاريخ الحديث

كثيرٌ من الناس يظنون أن العصبية لا شأن لها بعصرنا هذا و أن قواعد التاريخ لا تنطبق على هذه الأيام. فاعلم بأن عمر الإنسان لم يتغير و أن قانون العصبية باق إلى أن يرث الله الأرض بمن عليها، كما قال الله تعالى: ]وَ مَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَ لَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ[[1]. و الأمثلة على ذلك كثيرةٌ جداً، نورد بعضها على سبيل المثال لا على سبيل الحصر:

1) الـيـابـان

بدأت الياپان نهضتها في القرن التاسع عشر بعد حرب أهلية مدمرة أوصلتها للجيل الأول. و قد أحرزت تقدماً كبيراً جعلها في مصاف الدول الصناعية العظمى، ثم قاتلت أمماً أخرى فانتصرت عليهم. و عند بلوغها الجيل الثالث، غزت أجزاءً من الصين التي كانت في الجيل الرابع فانتصرت اليابان على أمة تفوقها عدة أضعاف. ثم دخلت الحرب العالمية الثانية فانتصرت في البداية، حتى إذا انتهى الجيل الثالث انهزمت اليابان أمام أميرِكا التي كانت في الجيل الثاني عام 1945. و لم تكن القنبلة الذرية هي سبب الهزيمة، فالياپان عرضت شروطاً للاستسلام قبل قنبلة هيروشيما. فكان بعد الهزيمة الساحقة أن عانت الياپان من مجاعة شديدة نتجت عن تدمير جميع الموارد الاقتصادية الأساسية في البلاد. و قد أدى هذا إضافة إلى انعدام الموارد الطبيعية في الياپان إلى عزلة عن العالم، فلا استيراد و لا تصدير. و زاد الطين بلة احتلال أميرِكا لجزر ياپانية صغيرة مما أدى إلى زيادة الحقد على أميرِكا. و في هذه الظروف الشديدة بدأ اليابانيون شيئاً فشيئاً بالتضامن. فكان أن حققو الاكتفاء الذاتي و أخذو يعيدون بناء بلادهم إلى أن مرت فترة الـ13 سنة، و وصلت الدولة إلى مرحلة تنتج كل ما تحتاجه، و وصل الناس بأخلاقهم إلى الجيل الأول. فكان أن بنى الياپانيون في 10 سنين اقتصاداً جباراً انتصرو به على الاقتصاد الأميركي، و لو شاؤو لانتصرو عسكرياً. و الله مصرف الأمور كيف يشاء.

2) كـوريـا

قـُـسِّمت كوريا بعد الحرب العالمية الثانية إلى قسمين: دولة شيوعية في الشمال، و دولة رأسمالية في الجنوب. فكان أن أعلنت كوريا الشمالية الحرب على الجنوبية (و كلاهما كانتا في نهاية الجيل الثالث). و انتصرت الشمالية في البداية على الجنوبية بمساعدة روسية، ثم ما لبثت الحرب أن انقلبت على الشمالية بمساعدة حلف الأطلسي. ثم دخلت الصين الحرب مع الشمالية، فانتصرت انتصاراً ساحقاً رغم ضعف التجهيزات العسكرية، و ذلك لكون الصين في أول الجيل الأول.

و قد أدت الحرب إلى دمار شديد و مجاعة مميتة في كلا الكوريّتين، حيث أدى دمار المؤسسات و المنشآت الاقتصادية الكبرى في البلاد إلى عزلة عن العالم، فلا استيراد و لا تصدير. و قد أدى استمرار هذه العوامل لمدة 13 سنة إلى إعادة كوريا الشمالية جيلاً إلى الوراء إلى بداية الجيل الثالث، على أنها أعادت كوريا الجنوبية إلى الجيل الأول. و الفرق الجلي بينهما، أن الشمالية كانت هي المنتصرة و هي التي احتلت أراضٍ كانت تابعةً لكورية الجنوبية. و لو أن كوريا الجنوبية كانت هي المنتصرة لكان العكس بالعكس. و الله يفعل ما يشاء.

3) الـصّـيـن

أما الصين فقد شهدت في بداية هذا القرن فساداً عارماً مستشرياً، تزامن مع ضعف في السلطة الحاكمة، فعمَّت الفوضى و انتشرت عصابات الأفيون و تسلط بعض الإقطاعيون على ثروات البلاد. فكان من ذلك كله أن امتدت الدولة فترةً من الزمن في الجيل الرابع قبل أن يصيبهم العذاب و تشتعل نار الحرب الأهلية بين أسرة المانشو الحاكمة و بين الوطنيون. ثم دخل الشيوعيون الحرب بضراوة مما أغرى اليابان بغزو الصين التي تفوقهم عدة أضعاف. و على الرغم من انسحاب اليابان لاحقاً من الصين بعد هزيمتها أمام أميرِكا، فإن الحرب الأهلية استمرت بضراوة لصالح الشيوعيون حيث أن انتماءهم إلى الطبقة الفقيرة المعدمة قد أكسبهم قوة و وحشية ساعدتهم على الانتصار على الوطنيون الذين التجؤو إلى جزيرة تايوَن و استبسلو في الدفاع عنها.

فكان بعد هذه الحرب الأهلية فترة هدوء، رأى الناس فيها خطأ معتقدهم في الفساد و الحرب، فنبذو التخاصم و أخذو يعيدون بناء ما خربوه بأيديهم. حتى فُنِيَ هذا الجيل و أتى من بعدهم جيل جديد فكان هو الجيل الأول في الدولة الجديدة. و من الملاحظ أن تايون قد اكتسبت عصبيةً و مجداً أكبر فذلك لكونهم انهزمو من قبل. كذلك يقلب الله الليل النهار له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير.

4) ألـمـانـيـا

إعلم أن الحرب العالمية الثانية و إن تسببت بدمار ألمانيا و هزيمتها و فقدانها لكثير من أراضيها، فإن هذه الحرب لم تكن كافية لتعيد ألمانيا للجيل الأول، لأنه لم يعقبها حصار أو عزلة عن العالم. و كذلك فإن غنى موارد ألمانيا الطبيعية قد منع حدوث مجاعة جماعية. فأطالت الحرب عمر الدولة و الله سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق.

5) الاتـحـاد الـسـوفـيـيـتـي و الـغـرب

و أما روسيا و حلفائها في شرق أورپا، فقد أرجعتهم الحرب جيلاً واحداً إلى الوراء، فطال عمر دولهم أربعين سنة. فلما انتهت هذه المدة انهارت دولتهم و سقطت لا عن غزو أجنبي و لا عن حُكمٍ عسكريٍ انقلابي و لكن لتغير أخلاق الناس إلى أخلاق الجيل الرابع.

فكان مما ذكرنا أن نهاية المعسكر الشيوعي كانت هادئة مفاجئة غير مصحوبةٍ بعنف لتزامنها مع بداية الجيل الأول. أما نهاية المعسكر الرأسمالي الغربي فستكون بإذن الله شديدة العنف مُفاجِئةً غير متوقعة على شكل انهيار اقتصادي شديد تتلوه حرب أهليةٍ دموية و ربما صحب هذا العنف هزيمة من عدو أجنبي، و كل ذلك لدخولهم في الجيل الرابع لعدة سنين دون أن يأتيهم العذاب، ذلك ]وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ[[2].

6) الـتـيـبـيـت

في عام 1953 احتلت الصين بلاد التيبيت (التي كانت في نهاية الجيل الثالث) و استعبدتها. و أدى تدفق الصينيون إلى هذه البلاد إلى حدوث مجاعة للمرة الأولى في تاريخ التيبيت. و ازداد الحكم الشيوعي استبداداً و معاداةً للدين، مما أدى إلى ثورة دموية قمعتها الصين بشدة. و استمر الحكم الصيني أربعين عاماً دون بادرة أمل بنهاية هذا الحكم، حتى إذا جاء عام 1993 غيرت الصين سياستها تجاه التيبيت إدراكاً منها بصعوبة الوقوف ضد شعبٍ في الجيل الأول، على الرغم من أن سكان التيبيت لا يبلغون المليونين مقارنةً مع الصين التي تتجاوز المليار و بضع المليار. فعملت على مشروع متوسط الأمد يقوم على إغناء سكان التيبيت، و قد نجحت هذه السياسة في إرضائهم نسبياً و في تثبيت الحكم الصيني. و الله يحكم ما يشاء لا معقب لحكمه.

7) الـعـراق

دخل العراق مرحلة الجيل الثالث في عام 1951 حتى إذا أوشكت هذه المدة على الانتهاء، عانى العراق من مشاكل اقتصادية (السرّاء و الضرّاء) خاصةً في فترة ما بعد حرب الخليج الأولى. حتى إذ انتهت تلك الفترة و ظنَّ أهل العراق أنهم بمأمنٍ من عذاب الله، أتتهم بوادر حرب الخليج الثانية فبدت العراق لهم كقوة لا تقهر ذات رابع أقوى جيش في العالم و تلك هي صحوة الموت. و إنما نسَو أن أساس الحرب هو البأس و الإقدام و أن النصر من الله العزيز الجبار. فكان من ذلك أنهم هزمو هزيمةً مريرةً مدمرة تلاها حصارٌ شديدٌ أدى إلى مجاعةٍ قاتلة، و احتلت الكويت جزءاً صغيراً من جنوب العراق (و هي جزء من بلدة حدودية تسمى أم القصر)، فإن هذا العذاب كله سيجبر أهل العراق على العودة إلى الجيل الأول و من ثم ينصرهم الله على عدوهم و يقرَّ أعينهم. و في البوسنة مثالاً مشابهاً، سنة الله في خلقه إنه هو العلي القدير.

8) أفـغـانـسـتـان

لقد بدأت الحرب الأفغانية لما قام الحزب الشيوعي الأفغاني بانقلاب عسكري على الملك الفاسد الضعيف. و لم يكن الحزب الشيوعي قوياً، لكن ضعف شخصية الملك وعدم وجود عصبية قوية تدعمه، سهل هذا الإنقلاب. ثم تلقى الإنقلاب دعماً قوياً من الاتحاد السوفييتي، وبدأ حربه ضد الدين. مما أدى إلى تمرد بعض المثقفين عليه، تتدرج إلى ثورة قوية مدعومة بقوة من الخارج. ثم أصبحت الثورة جهاداً عالمياً تدفقت إليه أفواج المسلمين من أنحاء العالم، رغم عدم وجود قيادة موحدة لتلك الثورة.

لقد كان الجهاد في أفگانستان أملاً من آمال أمتنا، و حلماً جميلاً يداعب أجفان المتشوقين لعودة الخلافة. و كان من المفروض على الأفگان أن يوحّدو صفوفهم تحت أمير واحد لأن مذهبهم واحد و هدفهم واحد و عدوهم واحد. لكن الافتقار للعصبية منعهم من تلك الوحدة. فسرعان ما بدأ القتال بينهم بأشد مما كان مع الشيوعيين بعد رحيل السوفييت عن بلادهم. و صار كل طرف يستعين بدولة أخرى ضد الآخر متناسياً أي دين أو وطنية. أما الشعب الأفگاني الحزين المنكوب، فكل الذي يهمه الأمن و السلم، و البحث عما يقيم أوده، و لعله يترحم على أيام الملك أو أيام الشيوعيين:

رُبَّ يومٍ بكيت منه، فلما                 صرت في غيره بكيت عليه

حتى جاءت الطالبان ذات العصبية الدينية القوية، فلم تلبث أن سيطرت على الغالبية العظمى من البلاد، إلا على مناطق الأقليات العرقية التي لها عصبية قبلية. و لا تزال الحرب الأهلية مستمرة و ستبقى كذلك، حتى يفنى هذا الجيل و يأتي الجيل الأول من جديد. فـ]إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرو ما بأنفسهم[[3]. ومن كانت هذه هي أخلاقهم، وهذه هي أفعالهم فليسوا أهلاً لقيادة الأمة، وليسوا أهلاً للنصر. و الله يؤتي الملك من شاء و هو العليم الحكيم.

9) الـجـزائـر

دخلت الجزائر في الجيل الرابع عام 1965م مع مجيء الطاغية هواري بومدين. لكنها في نهاية الثمانينات شهدت بعض الانفراج حيث سيطر الدعاة على المساجد كخطباء و وعّاظ و مدرِّسين مع هامش حريّةٍ لا بأس به مقارنة مع الدول العربية. مما أدى إلى انحسار المد الشيوعي بخاصة و العلماني بعامة. ثمّ جاءت مرحلة الأحزاب، و تلتها الانتخابات و فاز الإسلاميون بالأغلبية الساحقة، و تحرّك الجيش –كما هو متوقع[4]– لتنفذ قيادته ما تريده فرنسا في الجزائر، و كان مما فعلته هذه القيادة إلغاء الانتخابات التشريعية.

وظنَّ الإسلاميون أنـهم قادرون على تحقيق أهدافهم عن طريق القوة بعد أن أغلق الخيار السياسي بوجههم، رغم أن الشعب الجزائري ما يزال يعيش في الجيل الرابع و لم تصل عصبيته إلى مرحلة الجيل الأول. لذلك لا يكفي تأييد الشعب للإسلام، بل يجب أن يقترن هذا بعزيمة قوية للجهاد من أجل بناء الدولة الإسلامية.

لكن هؤلاء الصبية أعلنو الجهاد قبل أوانه. و منذ عام 1992م و الجزائر تعيش في فوضى لا مثيل لها: فالسجون لم تعد تتسع، و المساجد أقفرت إلا من المسنين، و هيمنت عليها رقابة الحكومة، و تعددت جماعات الجهاد، و كثر القتل و السلب و النهب، و حصلت مذابح جماعية شملت الشيوخ و الأطفال و النساء تقشعر من هولها الأبدان[5]. و في غياب الدعوة، انتشر الفساد. و فضلاً عن هذا و ذاك، لم يتحقق النصر الذي وعدنا به الذين أعلنو الجهاد لأن تقديراتـهم كانت خاطئة، حيث لم يكن هناك إعداد لهذا الجهاد، و لم تكن هناك استطاعة.

و اليوم لا يعلم أحد متى و كيف ستتوقف المذابح في هذا البلد المنكوب، لا سيّما و أن قيادة الجيش و معظم رجال السلطة لهم مصلحة من استمرار هذه الفوضى التي كانت ضحيتها حوالي مئة ألف قتيل. أما نحن فنتوقع قيام الدولة الإسلامية عند انتهاء هذا الجيل، و ابتداء الجيل الأول. و قد اقترب الموعد، سنة الله في عباده و الله سبحانه و تعالى أعلم.

10) الـخـلـيـج الـعـربـي

معظم العالم الإسلامي في طور الانتقال من الجيل الرابع إلى الجيل الأول –كما تؤكد أخبار الصحوة الإسلامية– حيث نلاحظ أن بعض الدول الإسلامية تمر بفترة الأربعين سنة القاسية التي مر بها بنو إسرائيل في التيه (كما في الجزائر). و بعضهم يمر بفترة ما بعد الحرب الأهلية كما في لبنان و أفغانستان و الصومال. و بعضهم يمر بفترة الـ13 سنة من الحصار التي مر بها المسلمون في مكة (كما في العراق و البوسنة و غيرها). فإذا وصل الإسلاميون إلى الحكم في العراق مثلاً ما الذي ممكن أن يحدث؟ لا شك أنه سيغزو الجزيرة و يقطع النفط عن أميركا، و هذا كفيل بانهيار الاقتصار الأميركي على نحو أشد بمرارة بكثير مما حدث في عام 1929. و في الشيشان مثال حي لجيش من بضعة آلاف مجاهد يهزمون إحدى الدول العظمى المزودة بأحدث الأسلحة. و لو قدر أن تثور جميع الشعوب الإسلامية في نفس الوقت لاستحال على قوى الكفر أن يوجهوا لهم ضربة قوية. و لانهارت جيوشهم تِباعاً. و الله سبحانه و تعالى مقيم العباد فيما أراد.

 



[1]  (الحجر:4).

[2]  (الروم:6)

 [3] (الرعد:11).

[4]  و هل يعقل أن يترك الغرب الإسلاميين يصلون إلى السلطة بكل هذه السهولة و هو يتفرج؟!

[5]  و قد ثبت بالأدلة القاطعة المتواترة أن الحكومة الجزائرية وراء معظم هذه المجازر عن طريق ميليشيات حكومية تدعي أنها إسلامية، لكنها لا تقوم إلا بذبح المدنيين في المناطق المؤيدة للإسلاميين.